لقراءة أُبي، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبيّ: يوفيهم الله الحق دينهم، قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضي، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم، ولا حجة أيضاً فيه، لأنه لو صح أنه في مصحف أبيّ كذلك، لجاز أن يكون دينهم بدلاً من الحق وعن ابن عباس قال: دينهم أي حسابهم، وكل شيء في القرآن الدين فهو الحساب وأخرج الطبراني وغيره عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم.
(ويعلمون أنّ الله هو الحق المبين) أي يعلمون عند معاينتهم لذلك، ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز، أن الله هو الحق الثابت في ذاته وصفاته، وأفعاله (المبين) المظهر للأشياء كما هي في أنفسها، وإنما سمي سبحانه الحق لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره؛ وقد سمي بالحق أي الموجود لأن نقيضه الباطل، وهو المعدوم، وتفسيره بظهور ألوهيته تعالى وعدم مشاركة الغير له فيها، وعدم قدرة ما سواه على الثواب والعقاب، ليس له كثير مناسبة للمقام، ولم يغلظ الله سبحانه وتعالى؛ في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة. فأوجز في ذلك وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر؛ وما ذلك إلا ما روي عن ابن عباس من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة، وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك.
ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة، برأ يوسف بشاهد من أهلها، وموسى بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم بإنطاق ولدها، وعائشة بهذه الآي العظام في كتابه المعجز؛ المتلو على وجه الدهر، بهذه المبالغات؛ فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك حيث لم يرض لها ببراءة صبي ولا نبي. حتى برأها بكلامه من القذف والبهتان؛ وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسوله. والتنبيه على أنافة محله صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين.