عمقه، ثم وصف سبحانه هذا البحر بصفة أخرى فقال:(يغشاه) أي: يعلو هذا البحر (موج) فيستره، ويغطيه بالكلية، والموج: ما ارتفع من الماء، ثم وصف هذا الموج بقوله:(من فوقه) أي من فوق هذا الموج (موج) ثان متراكم فيه إشارة إلى كثرة الأمواج، وتراكم بعضها فوق بعض، ثم وصف الموج الثاني فقال:
(من فوقه سحاب) فيجتمع حينئذ جوف البحر وأمواجه والسحاب المرتفعة فوقه، وقيل: إن المعنى، يغشاه موج، من بعده موج، فيكون الموج يتبع بعضه بعضاً، حتى كأن بعضه فوق بعض، والبحر أخوف ما يكون إذا توالت أمواجه، فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه، زاد الخوف شدة، لأنها تستر النجوم التي يهتدي بها من في البحر، ثم إذا أمطرت تلك السحاب. وهبت الريح المعتادة، في الغالب عند نزول المطر، تكاثفت الهموم، وترادفت الغموم، وبلغ الأمر إلى الغاية التي ليس وراءها غاية، ولهذا قال سبحانه:(ظلمات بعضها فوق بعض) أي هي ظلمات أو هذه ظلمات، متكاثفة، مترادفة. ففي هذه الجملة بيان لشدة الأمر، وتعاظمه، وبلوغه النهاية القصوى. ووجه الشبه أن الله تعالى ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات؛ ظلمة البحر، وظلمة الأمواج، وظلمة السحاب. وكذلك الكافر له ثلاث ظلمات؛ ظلمة الاعتقاد، وظلمة القول؛ وظلمة العمل. وقال أبي ابن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلمات؛ كلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى ظلمات يوم القيامة في النار.
قرئ سحابُ ظلماتٍ بالإضافة ووجهها أن السحاب ترتفع وقت هذه الظلمات، فأضيف إليها لهذه الملابسة، وقرئ بالقطع والتنوين، ومن غرائب التفاسير أنه سبحانه أراد بالظلمات أعمال الكافر، وبالبحر اللجي قلبه، وبالموج فوق الموج ما يغشي قلبه، من الجهل، والشك، والحيرة، وبالسحاب الرين، والختم، والطبع، على قلبه. وهذا تفسير هو عن لغة