حقيقة، قاله الشهاب والتسبيح التنزيه في ذاته، وأفعاله، وصفاته، عن كل ما لا يليق به.
ومعنى (من في السماوات والأرض) من هو مستقر فيهما من العقلاء وغيرهم، وتسبيح غير العقلاء ما يسمع من أصواتها، ويشاهد من أثر الصنعة البديعة فيها، وقيل إن التسبيح هنا هو الصلاة من العقلاء، والتنزيه من غيرهم، وقد قيل أن هذه الآية تشكل الحيوانات، والجمادات، وأن آثار الصنعة البديعة الإلهية في الجمادات ناطقة، ومخبرة باتصافه سبحانه، بصفات الجلال، والكمال وتنزهه عن سمات النقص والزوال. وفي ذلك تقريع للكفار وتوبيخ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها، كعبادته عز وجل، وبالجملة فإنه ينبغي حمل التسبيح على ما يليق، بكل نوع من أنواع المخلوقات، على طريقة عموم المجاز.
(والطير صافّات) أي باسطات أجنحتها في الهواء، وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السماوات والأرض، لعدم استمرار استقرارها في الأرض، وكثرة لبثها في الهواء، وهو ليس من السماء، ولا من الأرض، ولما فيها من الصنعة البديعة، التي يقدر بها تارة على الطيران، وتارة على المشي، بخلاف غيرها من الحيوانات. وذكر حالة من حالات الطير، وهي كون صدور التسبيح منها، حال كونها صافات لأجنحتها، لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها، فإن استقرارها في الهواء مسبحة، من دون تحريك لأجنحتها، ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شيء، ثم زاد في البيان فقال:
(كل قد علم صلاته وتسبيحه) أي كل واحد من هذه المسبحات لله، قد علم صلاة المصلي، وتسبيح المسبح. وقيل إن المجنى أن كل مصل، ومسبح؛ قد علم صلاة نفسه، وتسبيح نفسه. قال السمين: وهذا أولى لتوافق الضمائر. قيل والصلاة هنا بمعنى التسبيح، وكرر للتأكيد، والصلاة