(ثم يؤلف بينه) أي بين أجزائه فيضم بعضه إلى بعض ويجمعه بعد تفرقه ليقوى، ويتصل، ويكثف، والأصل في التأليف الهمز. وقرئ يؤلف بالواو تخفيفاً والسحاب واحد في اللفظ ولكن معناه جمع ولهذا دخلت (بين) عليه لأن أجزاءه في حكم المفردات له. قال الفراء: إن الضمير في (بينه) راجع إلى جملة السحاب كما تقول الشجر قد جلست بينه لأنه جمع وأفرد الضمير باعتبار اللفظ.
(ثم يجعله ركاماً) أي متراكماً يركب بعضه بعضاً والركم جمع الشيء، يقال ركم الشيء يركمه ركماً، أي جمعه، وألقى بعضه على بعض، وبابه نصر، وارتكم الشيء وتراكم إذا اجتمع والركمة الطين المجموع والركام الرمل المتراكم والسحاب ونحوه (فترى الودق) هو المطر عند جمهور المفسرين يقال ودقت السحاب فهي وادقة، وودق المطر يدق أي قطر يقطر. وقيل إن الودق المطر، ضعيفاً كان، أو شديداً، والرؤية هنا بصرية.
(يخرج من خلاله) أي من فتوقه وفروجه، التي هي مخارج القطر منه، قال كعب (١): إن السحاب غربال المطر، لولا السحاب حين ينزل المطر من السماء، لأفسد ما يقع عليه من الأرض. وقرئ: من خلله على الإفراد، وقد وقع الخلاف في (خلال) هل هو مفرد؟ كحجاب، أو جمع كجبال؟.
(وينزل من السماء) أي: من عال لأن السماء قد يطلق على جهة
العلو (من جبال) أي من قطع عظام تشبه الجبال (فيها من يرد) من
للتبعيض وهو مفعول ينزل قيل: التقدير من برد برداً. وقيل: ينزل من
السماء قدر جبال، أو مثل جبال، من برد إلى الأرض قال الأخفش: إن
(من) زائدة في الموضعين، أي ينزل من السماء برداً، يكون كالجبال.
والحاصل أن من في (من السماء) لابتداء الغاية باتفاق المفسرين،
(١) لقد نبه المؤلف في أكثر من موضع على رفض التلقي عن كعب الأحبار، وهو الحق الذي تجب الصيرورة إليه لأن السحاب هو عين المطر لقوله تعالى: " وهو الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيرسله إلى بلد ميت " ولا عبرة بما ذهب إليه المصنف في تفسير البقرة من الرد على من قال بأن المطر أبخرة منعقدة من الماء. لأنه مدفوع بالقرآن الكريم وبالحقائق العلمية وهي معجزات التنزيل، المطيعي.