للمبالغة، ومعنى (من ماء) من نطفة، وهي المني، كذا قال الجمهور، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة فمنها هوام، ومنها بهائم، وقال جماعة: إن المراد الماء المعروف لأن آدم خلق من الماء والطين. قيل وخلق كل دابة من نطفة، إنما هو بحسب الأغلب في خلق حيوانات الأرض المشاهدة، وإلا فالملائكة خلقوا من نور، وهم أكثر المخلوقات عدداً، والجانّ خلقوا من نار، وهم بقدر تسعة أعشار الإنس. كما قيل، وآدم خلق من الطين، وعيسى من الريح، التي نفخها جبريل، في جيب مريم، وخلق الدود من نحو الفاكهة، والعفونات، ثم فصل سبحانه أحوال كل دابة فقال:
(فمنهم من يمشي على بطنه) وهي الحيات، والهوام، والحوت والدود، ونحو ذلك، وسمي الزحف على البطن مشياً، استعارة، كما استعير المشفر للشفة، وبالعكس. كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر، وفلان ما يمشي له أمر، أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين (ومنهم من يمشي على رجلين) وهم الإنسان والطير والنعام.
(ومنهم من يمشي على أربع) كالبهائم، وسائر الحيوانات، وقدم ما هو أعرف في القدرة، وهو الماشي بغير آلة المشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع وقال:(من) ولم يقل (ما) تغليباً لمن يعقل، على ما لا يعقل لأن جعل النفيس أصلاً، والخسيس تبعاً أولى. قال ابن عباس: كل شيء يمشي على أربع إلا الإنسان، وأقول هذه الطيور على اختلاف أنواعها، تمشي على رجلين، وهكذا غيرها، كالمنعامة فإنها تمشي على رجلين، وليست من الطير، فهذه الكلية المروية عنه رضي الله تعالى عنه لا تصح، ولم يتعرض سبحانه لما يمشي على أكثر من أربع لقلته. وقيل: لأن المشي على أربع فقط، وإن كانت القوائم كثيرة وقيل: لعدم الاعتداد بما يمشي على أكثر من أربع، ولا وجه يكون لهذا، فإن المراد التنبيه على بديع الصنع، وكمال القدرة، فكيف يقال، لعدم الاعتداد بما يمشي على أكثر من أربع.