فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه، لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاة الطاغوت وحكام الباطل، فإن ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذي هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة، ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتي بعده، وإذا تقدر لديك هذا، وفهمته حق فهمه، علمت أن التقليد والانتساب إلى عالم من العلماء دون غيره .. والتعبد بجميع ما جاء به من رواية ورأى وإهمال ما عداه، من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة والفواقر الموحشة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أوضحت هذا في كتابي الجنة وأوضحه الشوكاني في القول المفيد، وأدب الطلب وغيره في غيرهما فمن أراد أن يقف على حقيقة هذه البدعة التي طبقت الأقطار الإسلامية فليرجع إليها، وعن الحسن في الآية قال: إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة أو منازعة. على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا دعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محق أذعن وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيقضي له بالحق. وإذا أراد أن يظلم فدعى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرض. وقال: انطلق إلى فلان فأنزل الله سبحانه (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) إلى قوله: (هم الظالمون) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان بينه وبين أخيه شيء فدعاه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم لا حق له " أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
قال ابن كثير:(١) بعد أن ساق هذا المتن ما لفظه وهذا حديث غريب وهو مرسل: وقال ابن العربي: هذا حديث باطل فأما قوله فهو ظالم فكلام صحيح وأما قوله فلا حق له فلا يصح ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق انتهى.
وأقول: وأما كون الحديث مرسلاً فظاهر وأما ما دعوى كونه باطلاً فمحتاجة إلى برهان فقد أخرجه ثلاثة من أئمة الحديث كما ذكرنا ويبعد كل