وفي الآية بيان ما كان يقع من المنافقين، فإنهم كانوا يتسللون عن صلاة الجمعة متلاوذين ينضم بعضهم إلى بعض استتاراً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان يوم الجمعة أثقل يوم على المنافقين لما يرون من الاجتماع للصلاة والخطبة، فكانوا يفرون عن الحضور ويتسللون في خفية، ويستتر بعضهم ببعض، وينضم إليه وقيل اللواذ الفرار من الجهاد، وبه قال الحسن عن مقاتل قال: كان لا يخرج أحد لرعاف أو إحداث حتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليه بيده. وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة، والجلوس في المسجد فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستر به حتى يخرج، فأنزل الله هذه الآية، أخرجه أبو داود في مراسيله.
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي: يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك العمل بمقتضاه، ويذهبون سمتاً خلاف سمته، وعُدِّيَ فعل المخالفة بعن، مع كونه متعدياً بنفسه لتضمينه، معنى الإعراض، أو الصد. وقيل الضمير لله سبحانه لأنه الآمر بالحقيقة. قال أبو عبيدة والأخفش (عن) زائدة هنا، وقال الخليل وسيبويه: ليست بزائدة، بل هي بمعنى: بعد كقوله: (ففسق عن أمر ربه)، أي: بعد أمر ربه، والأولى ما ذكرناه من التضمين.
(أن تصيبهم فتنة) أي: فليحذر المخالفون عن أمر الله، أو أمر رسوله، أو أمرهما جميعاً إصابة فتنة لهم، والفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن، وقيل: هي القتل. وقيل: الزلازل. وقيل: تسلط سلطان جائر. وقيل: الطبع على قلوبهم. وقيل: إسباغ النعم استدراجاً، أو محنة في الدنيا.