قال القرطبي في تفسيره: إن معنى بلغن هنا قاربن بإجماع العلماء، قال: ولأن المعنى يضطر إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، يعني فالبلوغ هنا بلوغ مقاربة.
والمعنى قاربن انقضاء عدتهن وشارفن منتهاها، ولم يرد انقضاء العدة كما يقال بلغ فلان البلد إذا قاربه وشارفه، فهذا من باب المجاز الذي يطلق اسم الكل فيه على الأكثر، وقيل: إن الأجل اسم للزمان فيحمل على الزمان الذي هو آخر زمان يمكن إيقاع الرجعة فيه بحيث إذا فات لا يبقى بعده مكنة إلى الرجعة، وعلى هذا التأويل فلا حاجة إلى المجاز.
(فأمسكوهن) أي راجعوهن (بمعروف) وهو أن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء، وقيل: الإمساك بمعروف هو القيام بحقوق الزوجية وهو الظاهر، قيل: أعاده اعتناء بشأنه ومبالغة في إيجاب المحافظة عليه.
(أو سرحوهن بمعروف) أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن، والمعنى إذا طلقتم النساء فقاربن آخر العدة فلا تضارّوهن بالمراجعة من غير قصد لاستمرار الزوجية واستدامتها، بل اختاروا أحد أمرين إما الإمساك بمعروف من غير قصد لضرار أو التسريح بإحسان أي تركها حتى تنقضي عدتها من غير مراجعة ضراراً.
(ولا تمسكوهن ضراراً) كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها ثم مراجعتها لا عن حاجة ولا لمحبة ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيع مدة الانتظار ضراراً (لتعتدوا) أي لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم بهن (ومن يفعل ذلك) أي الإمساك المؤدي للضرار (فقد ظلم نفسه) لأنه عرضها لعقاب الله وسخطه في ضمن ظلمه لهن، قال الزجاج: يعني عرض نفسه للعذاب لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله.
(ولا تتخذوا آيات الله هزواً) أي بالإعراض عنها والتهاون بالعمل بما فيها من قولهم لمن لم يجد في الأمر: إنما أنت هازٍ كأنه نهى عن الهزو، وأراد به