(فأخذهم عذاب يوم الظلة) هي السحاب أقامها الله فوق رؤوسهم، فأمطرت عليهم ناراً فهلكوا، وقد أصابهم الله بما اقترحوه لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر، وإن أرادوا بها القطعة من السماء فقد نزل عليهم العذاب من جهتها. قال ابن عباس أرسل الله إليهم سموماً من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر فحميت بيوتهم، وغلت مياههم في الآبار والعيون، فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين، والسموم معهم، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فغشيتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعاً أطبقت عليهم فهلكوا، ونجى الله شعيباً والذين آمنوا معه.
وعنه أيضاً أنه سئل عن قوله فأخذهم عذاب إلى آخره فقال فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها برداً ولذة فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقط الله عليهم ناراً، فذلك عذاب يوم الظلة، وعنه قال: من حدثك من العلماء عذاب يوم الظلة فكذبه، (أقول) فما نقول له رضي الله عنه فيما حدثنا به من ذلك مما نقلناه عنه هاهنا. وقد رواه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم. ويمكن أن يقال: أنه لما كان هو البحر الذي علمه الله تأويل كتابه بدعوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: كان مختصاً بمعرفة هذا الحديث دون غيره من أهل العلم، فمن حدث بحديث عذاب يوم الظلة على وجه غير هذا الوجه الذي حدثنا به فقد وصانا بتكذيبه، لأنه قد علمه ولم يعلمه غيره، والله أعلم. وأضاف العذاب إلى يوم الظلة، لا إلى الظلة تنبيهاً على أن لهم في ذلك اليوم عذاباً غير عذاب يوم الظلة (١) كذا قيل، ثم وصف
(١) قوله غير عذاب يوم الظلة كذا بالأصل الذي بأيدينا وانظره أهـ مصححه.