فأنزل الله إلا الذين آمنوا إلى قوله ينقلبون وروي نحو هذا من طرق.
(وانتصروا من بعد ما ظلموا) كمن يهجو منهم من هجاه أو ينتصر لعالم أو فاضل، كما كان يقع من شعراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا يهجون من يهجوه، ويحمون عنه ويذبون عن عرضه، ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم.
ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة، وكافح أهل البدعة وزيف ما يقول شعراؤهم من مدح بدعتهم، وهجو السنة المطهرة كما يقع ذلك كثيراً من شعراء الرافضة ونحوهم، فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله المنتصرين لدين الله القائمين بما أمر الله بالقيام به.
واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام. وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب، وقد وردت أحاديث في ذمه وذم الاستكثار منه، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه، والكلام في تحقيق ذلك يطول.
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه، وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال: إن المؤمن يجاهد نفسه بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترموهم به نضح النبل ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً ".
وأخرج الديلمي مرفوعاً عن ابن مسعود: الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعراً يتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة، والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار.