ومقتضى هذا أن كُلاًّ منهما كان يعلم أصوات الطير؛ وما تريده. قال الخطيب: علمنا أي أنا وأبي بأيسر أمر وأسهله. وفي البيضاوي النطق والمنطق في التعارف: كل لفظ يعبر به عما في الضمير؛ مفرداً كان أو مركباً مفيداً كان أو غير مفيد. وقد يطلق على كل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم: نطقت الحمامة، ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد، فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات نزلت منزلة العبارات، سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض، بحيث يفهمها ما هو من جنسه.
ولعل سليمان مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية الغرض الذي صوت لأجله، والغرض الذي توخاه به انتهى. قال جماعة من المفسرين: إنه علم منطق جميع الحيوانات، وإنما ذكر الطير لأنه كان جنداً من جنوده، يسير معه لتظليله من الشمس، فخص بالذكر لكثرة مداخله. وقال قتادة والشعبي: إنما علم منطق الطير خاصة، ولا يعترض ذلك بالنملة فإنها من جملة الطير، وكثيراً ما تخرج لها أجنحة فتطير، وكذلك كانت هذه النملة التي سمع سليمان كلامها وفهمه.
أخرج أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي الصديق (١) الناجي قال: خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا، وإما إن تهلكنا، فقال سليمان: للناس ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وقد ذكر الخازن والنسفي في تفسيريهما منطق بعض الطيور، وما تقوله القمري وغيرها، وكذا القرطبي بلا إسناد صحيح متصل يعتمد عليه، ويصار
(١) أبو الصديق الناجي واسمه بكر بن عمرو، وقال ابن سعد في الطبقات يتكلمون في أحاديثه يستنكرونها وقال غيره: ثقة تابعي، قال الذهبي يحتج به في الصحاح والكلام هنا عن قصة دعاء النملة موقوف عليه. المطيعي.