أدري من أين جاء هذا للحسن رحمه الله، وهكذا ما روي عنه أن اسم النملة حرس، وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيصان، وأنها كانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب، وهو رحمه الله أورع الناس عن نقل الكذب؛ ونحن نعلم أنه لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء. ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان، أو بأحد من أصحابه فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب.
وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم. فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روي:" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "، فليس ذلك مما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك، بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم. وقد كررنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة.
(أو لأذبحنه) بقطع حلقومه (أو ليأتيني بسلطان مبين) هو الحجة البينة في غييته. قال ابن عباس: السلطان المبين خبر الحق الصدق البين. وعنه قال: كل سلطان في القرآن حجة، وذكر هذه الآية ثم قال: وأي سلطان كان للهدهد؟ يعني أن المراد بالسلطان الحجة، لا السلطان الذي هو الملك، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث، فكلمة (أو) بين الأولين للتخيير، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما.
قال الزمخشري: فإن قلت: قد حلف على أحد ثلاثة أشياء فحلفه على فعله لا كلام فيه، ولكن كيف يصح حلفه على فعل الهدهد؟ ومن أين درى أنه يأتي بسلطان؟
قلت: لما نظم الثلاثة بأو في الحكم الذي هو الحلف، آل كلامه إلى قولك: ليكونن أحد الأمور، يعني إن كان الإتيان بسلطان، لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن، كان أحدهما، وليس في هذا ادعاء دراية انتهى. و (أو) الثانية ترجع في المعنى إلى أنها بمعنى إلا وهي قيد في كل من الأمرين قبلها، فكأنه قال: لأعذبنه إلا أن يأتيني أو لأذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان مبين.