بخلاف الولي، وتسمية الزيادة عفواً وإن كان خلاف الظاهر لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملاً عند العقد كان العفو معقولاً، لأنه تركه لها ولم يسترجع النصف منه.
ولا يحتاج في هذا إلى أن يقال: إنه من باب المشاكلة كما في الكشاف لأنه عفو حقيقي أي ترك لما يستحق المطالبة به إلا أن يقال إنه مشاكلة أو تغليب في توفية المهر قبل أن يسوقه الزوج.
(وأن تَعْفُوَآ أقرب للتقوى) قيل هو خطاب للرجال والنساء تغليباً أي وعفو بعضكم أيها الرجال والنساء أقرب للتقوى أي من عدم العفو الذي فيه التنصيف، والمراد بالتقوى الألفة وطيب النفس من الجانبين، وعليه قراءة الجمهور بالتاء الفوقية، وقرأ الشعبي وأبو نهيك بالياء التحتية فيكون الخطاب مع الرجال فقط، وفي هذا دليل على ما رجحناه من أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، لأن عفو الولي عن شيء لا يملكه ليس هو أقرب للتقوى، بل أقرب إلى الظلم والجور، والمعنى وليعف الزوج فيترك حقه الذي ساق من المهر إليها قبل الطلاق فهو أقرب للتقوى.
(ولا تنسوا الفضل بينكم) المعنى أن الزوجين لا ينسيان التفضل من كل واحد منهما على الآخر، ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف ويتفضل الرجل عليها بإكمال المهر، وهو إرشاد للرجال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي على بعضهم بعضاً والمسامحة فيما يستغرقه أحدهما على الآخر للوصلة التي قد وقعت بينهما من إفضاء البعض إلى البعض، وهي صلة لا تشبهها وصلة، فمن رعاية حقها ومعرفتها حق معرفتها الحرص منهما على التسامح.
(إن الله بما تعملون بصير) فيه من ترغيب المحسن وترهيب غيره ما لا يخفى.