جامعاً بين كونه واصلاً إلى المنعم فائزاً برضا المنعم عليه خالصاً من كدر كونه في نفسه على ضلالة، وتقرير الدلالة من هذا الوجه على إخلاص التوحيد كتقريرها في الوجه الذي قبله.
فهذه ثلاثون دليلاً مستفادة من سورة الفاتحة باعتبار ما يستفاد من تراكيبها العربية مع ملاحظة ما يفيده ما اشتملت عليه من تلك الدقائق والأسرار التي هي راجعة إلى العلوم الآلية، وداخلة فيما تقتضيه تلك الألفاظ بحسب المادة والهيئة والصورة مع قطع النظر عن التفسير بمعنى خاص قاله بعض السلف، أو وقف عنده من بعدهم من الخلف.
فإن قلت (١) هذه الأدلة التي استخرجتها من هذه السورة المباركة وبلغت بها إلى هذا العدد وجعلتها ثلاثين دليلاً على مدلول واحد، لم نجد لك فيها سلفاً ولا سبقك بها غيرك.
قلت: هذي شكاة ظاهر عنك عارها، واعتراض غير واقع موقعه، ولا مصادف محزه، فإن القرآن عربي، وهذا الاستخراج لما ذكرناه من الأدلة هو على مقتضى اللغة العربية، وبحسب ما تقتضيه علومها التي دونها الثقات، ورواها العدول الإثبات، وليس هذا من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه، والزجر لفاعله، بل من الفهم الذي يعطاه الرجل في كتاب الله كما أشار إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كلامه المشهور، وما كان من هذا القبيل فلا يحتاج فيه إلى سلف، وكفى بلغة العرب وعلومها المدونة بين ظهراني الناس وعلى ظهر البسيطة سلفاً.
وبالجملة فهذه ثلاثون موضعاً في فاتحة الكتاب يفيد كل واحد منها إخلاص التوحيد مع أن فاتحة الكتاب ليست الا سبع آيات، فما ظنك بما في سائر الكتاب العزيز، فذكرنا لهذه المواضع في فاتحة الكتاب كالبرهان على ما ذكرناه من أن في الكتاب العزيز من ذلك ما يطول تعداده وتتعسر الإحاطة به.