وظاهر الآية نفي الاختيار عنهم رأساً، والأمر كذلك، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله، منوط بدواع لا اختيار لهم فيها، وقيل: إن هذه الآية جواب عن قولهم: (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وقيل: جواب عن اليهود حيث قالوا: لو كان الرسول إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - غير جبريل لآمنا به.
قال الزجاج: الوقف على (ويختار) تام على أن (ما) نافية قال: ويجوز أن يكون (ما) في موضع نصب بـ (يختار) والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة، والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف، وقال ابن جرير: إن تقدير الآية ويختار لولايته الخيرة من خلقه. وهذا في غاية من الضعف، وجوز ابن عطية أن تكون (كان) تامة ويكون (لهم الخيرة) جملة مستأنفة. وهذا أيضاً بعيد جداً، ومن قال معناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح، فهو مائل إلى الاعتزال، وقيل: إن (ما) مصدرية، أي يختار اختيارهم، والمصدر واقع موقع المفعول به، أي ويختار مختارهم، وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير والراجح أول هذه التفاسير، ومثله قوله سبحانه:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة) وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح تعليم الاستخارة، وكيفية صلاتها ودعائها، فلا نطول بذكرها، ثم نزه سبحانه نفسه فقال:
(سبحان الله) أي تنزه تنزهاً خاصاً به، من غير أن ينازعه منازع، أو يشاركه مشارك، أو يزاحم اختياره (وتعالى كما يشركون) أي عن الذين يجعلونهم شركاء له