وأيضاً عذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم، وعذاب الله بعده عقاب أليم، والمشقة إذا كانت مستتبعة للراحة العظيمة تطيب النفس لها، ولا تعدها عذاباً.
قال الزجاج: ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله.
أخرج أحمد والترمذي، وصححه، وابن ماجة وأبو يعلى وابن حبان، والبيهقي وغيرهم عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال ".
(ولئن جاء نصر من ربك) أي فتح من الله للمؤمنين وغلبة على الأعداء وغنيمة يغنمونها منهم (ليقولن) بضم اللام حملاً على المعنى بعد الحمل على اللفظ، ونقل أبو معاذ النحوي أنه قرئ بالفتح جرياً على مراعاة لفظها أيضاً وقراءة العامة أحسن لقوله:
(إنا كنا معكم) في دينكم فأشركونا في الغنيمة، فالمراد المعية في الإيمان دون الصحبة في القتال لأنها غير واقعة، قاله الشهاب فكذبهم الله فقال:
(أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين)؟ من الإيمان به أي هو سبحانه أعلم بما فيها من خير وشر فكيف يدعون هذه الدعاوى الكاذبة، قيل: هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف. كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار أو لم يجدوا من قوة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن قالوا: إنا كنا معكم يرضون بهذا وما قبله المنافقون، قال مجاهد: نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا. وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، وقيل: نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر، والظاهر أن هذا النظم من قوله: ومن الناس من يقول، إلى قوله: وقال الذين كفروا، نازلٌ في المنافقين لما يظهر من السياق، ولقوله.