والله هو الغني الحميد، شبّه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء.
وقيل كنّى عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيباً في الصدقة كما كنّى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام، ففي الحديث الصحيح إخباراً عن الله عز وجل " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني، قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي " وكذا فيما قبله أخرجه مسلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنّى عنه ترغيباً لمن خوطب به.
وقوله (حسناً) أي طيبة به نفسه من دون مَنٍّ ولا أذى، وقيل محتسباً، وقيل هو الإنفاق من المال الحلال في وجوه البر، وقيل هو الخالص لله تعالى ولا يكون فيه رياء ولا سمعة.
وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال، وقيل لا يعلمه إلا الله وحده، قاله السدي وهذا هو الأولى، وإنما أبهم الله ذلك لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود، وقيل إلى سبعمائة ضعف، وقيل غير ذلك.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض؟ قال نعم، قال: أرني يدك يا رسول الله فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي وله فيه ستمائة نخلة (١).
(١) رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف، مجمع الزوائد ٦/ ٣٢١.