وقيل: معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ومنه قوله: إن في الصلاة لشغلاً، وقيل: تنهى عنهما مطلقاً في سائر الأوقات لأن الصلاة تشغل جميع بدن المصلي، فإذا دخل في المحراب خشع، وأخبت لربه، وتذكر أنه واقف بين يدي مولاه، وأنه تعالى مطلع عليه، وأنه يراه فصلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيئتها، ولو بعد خروجه منها، ولم يكد يفتر عن ذلك حتى تظله صلاة أخرى، يرجع بها إلى أفضل حاله، فهذا معنى هذه الآية، لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون.
لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، فهو أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإن الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرد معلوم، وهذا مما لا خلاف فيه. روي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك، فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر، ومن صلاته قاصرة على الإجزاء، أي إسقاط الطلب عن المكلف، ولا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل كصلاتنا، فتلك تنزل صاحبها من منزلته حيث كان.
فإن كان مرتكباً للمعاصي قد بعد من الله بسببها، فتلك الصلاة تتركه يتمادى على بعده. وقيل لابن مسعود: إن فلاناً كثير الصلاة، فقال: إنها لا تنفع إلا من أطاعها، ذكره القرطبي. ويل: أراد بالصلاة القرآن، وفيه ضعف، لتقدم ذكر القرآن، والأول أولى، وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها.
(ولذكر الله) بسائر أنواعه من تحميد، وتهليل، وتسبيح، وغير ذلك (أكبر) من كل شيء أي: أفضل من العبادات كلها بغير ذكر، وقد نقل القرطبي هذا التقييد عن ابن زيد وقتادة. قال ابن عطية: وعندي أن المعنى