طبائعهم العادات، وتقليد الأموات، فإذا وقعوا في مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله تعالى، وأخلصوا دينهم له طلباً للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه، لزوال ما ينازع الفطرة الإيمانية من الهوى والتقليد بما دهاهم من الشدائد.
(فلما نجاهم إلى البر) صاروا قسمين (فمنهم مقتصد) أي: فقسم مقتصد، أي: عدل موف في البر، بما عاهد عليه الله في البحر من إخلاص الدين له، باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر، وأخرجه إلى البر سالماً. قال الحسن: معنى مقتصد مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة. وقال مجاهد: مقتصد في القول مضمر للكفر. وقال الرازي: المقتصد المتوسط بين السابق بالخيرات، والظالم لنفسه، وهو الذي تساوت سيئاته وحسناته، وقيل: متوسط بين الكفر والإيمان، لأنه انزجر بعض الانزجار، ومنهم باق على كفره لأن بعضهم كان أشد قولاً، وأعلى افتراء من بعض، والأولى ما ذكرناه.
قيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل، وذلك أنه هرب عام الفتح إلى البحر، فجاءهم ريح عاصف، فقال عكرمة: لئن نجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأضعن يده في يدي، فسكنت الريح، ورجع عكرمة إلى مكة، وحسن إسلامه، وفي الكلام حذف، والتقدير: فمنهم مقتصد، ومنهم كافر لم يوف بما عاهد، ويدل على هذا المحذوف قوله:
(وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) لأنه نقض العهد الفطري، ورفض ما كان عليه في البحر، ؤهذا في مقابلة صبار، كما أن (كفور) في مقابلة (شكور) والختر: أسوأ الغدر وأقبحه. قال الجوهوي: الختر: الغدر، يقال: ختره فهو ختار، أي: غدارء قال الماوردي: وهذا قول الجمهور، وقال ابن عطية: إنه الجاحد، وجحد الآيات إنكارها، والكفور عظيم الكفر بنعم الله سبحانه. قال ابن عباس: ختار: جحاد.