منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء، ويحتمل أن يراد به نبينا - صلى الله عليه وسلم - لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله، ويحتمل أن يراد به إدريس لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكاناً علياً، وقيل إنهم أولو العزم، وقيل إبراهيم.
ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع فلا يجوز لنا التعرض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه أو من نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد ما يرشد إلى ذلك، فالتعرض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي، وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء وقد نهينا عنه.
وقد جزم كثير من أئمة التفسير أنه نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأطالوا في ذلك واستدلوا بما خصه الله به من المعجزات ومزايا الكمال وخصال الفضل. وهم بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب قد وقعوا في خطرين، وارتكبوا نهيين، وهما تفسير القرآن بالرأي، والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء وإن لم يكن ذلك تفضيلاً صريحاً فهو ذريعة إليه بلا شك ولا شبهة، لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبي الفلاني، انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهيّ عنه (١).
وقد أغنى الله نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل والفواضل، فإياك أن تتقرب إليه - صلى الله عليه وسلم - بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها فتعصيه وتسيء وأنت تظن أنك مطيع محسن.
(وآتينا عيسى بن مريم البينات) أي الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة
(١) وقد استدل هؤلاء بحديث: بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأُحلت لي الغنائم وأعطيت الشفاعة ومن ذلك القرآن وانشقاق القمر وتكليمه الشجر وغيرها من المعجزات.