ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، فسبحان الذي دق في كل شيء حكمته، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم.
ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر، انتهى وتبعه في ذلك جماعة من أهل التفسير منهم الخازن والنسفي والبيضاوي والخطيب وأبو السعود وغيرهم.
(أقول) هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها، وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال فهذا متيسر بأن يقال لهم هذا القرآن هو من الحروف التي يتكلمون بها ليس من حروف مغايرة لها، فيكون هذا تبكيتاً وإلزاماً يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح هو أيضاً مما لا يفهمه أحد من السامعين