وعن ابن عباس في قوله: إذ جاءتكم جنود، قال: كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب (فأرسلنا عليهم ريحاً) قال مجاهد هي ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم، ونزعت فساطيطهم، وهي ريح تهب من الشرق، وكانت باردة شديدة جداً، ومع هذا لم تتجاوزهم. ويدل على هذا ما ثبت عنه (- صلى الله عليه وسلم -) من قوله: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس.
وعنه قال لما كان ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب إن الحرة لا تسري بالليل فغضب الله عليها وجعلها عقيماً، فأرسل الله عليهم الصبا فأطفأت نيرانهم، وقطعت أطنابهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور، فذلك قوله فأرسلنا عليهم ريحاً الآية، وقيل الصبا ريح فيها روح ما هبت على محزون إلا ذهب حزنه، وللشعراء تفنن بها كثير يعرفه كل من له إلمام بدواوينهم.
(وجنوداً لم تروها) وهي الملائكة، وكانوا ألفاً، ولم يقاتلوا، وإنما ألقوا الرعب في قلوب الأحزاب. قال المفسرون: بعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وأرسل الله عليهم الرعب، وكثر تكبيرهم في جوانب العسكر، حتى كان سيد كل قوم يقول لقومه يا بني فلان هلم إليّ فإذا اجتمعوا قال لهم النجاء النجاء، فانهزموا من غير قتال (وكان الله بما تعملون) أيها المسلمون من ترتيب الحرب، وحفر الخندق، واستنصاركم به، وتوكلكم عليه (بصيراً) وقرىء يعملون بالتحتية أي بما يعمله الكفار من العناد لله ولرسوله والتحزب على المسلمين واجتماعهم عليهم من كل جهة.