وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ثم قال: أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه، وقد تعقب الحاكم، في تصحيحه الذهبي، كما ذكر ذلك السيوطي.
ولكنه قد أخرج الحاكم حديثاً آخر وصححه، وأخرجه أيضاًً البيهقي في الدلائل عن أبي ذر قال لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولاً على طريقه، فقرأ (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله، وهما يشهدان لحديث أبي هريرة، ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله، وقسمهم إلى قسمين فقال:
(فمنهم من قضى نحبه) أي فرغ من نذره، ووفّى بعهده، وصبر على الجهاد حتى استشهد، وقال ابن عمر: أي مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان. والنحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به وأوجبه على نفسه، والقتل، والموت. قال ابن قتيبة قضى نحبه أي: قتل. وأصل النحب: النذر كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله لهم فقتلوا، فقيل: فلان قضى نحبه، أي قتل. والنحب أيضاًً الحاجة وإدراك الأمنية يقول قائلهم: مالي عندهم نحب، والنحب العهد، ومعنى الآية أن من المؤمنين رجالاً أدركوا أمنيتهم، وقضوا حاجتهم، ووفّوا بنذرهم، فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر.
أخرج الترمذي وحسنه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن مردويه عن طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي،