وقد قيل هذه الآية إلى (خالدون) من بقية آية الكرسي، والتحقيق أن هذه الآية مستأنفة جيء بها إثر بيان صفات الباري المذكورة إيذاناً بأن من حق العاقل أن لا يحتاج إلى التكليف والإكراه في الدين بل يختار الدين الحق من غير تردد.
(قد تبيّن الرشد من الغيّ) الرشد هنا الإيمان، والغي الكفر أي قد تميز أحدهما من الآخر، وأصل الغي بمعنى الجهل إلا أن الجهل في الاعتقاد والغي في الأعمال، وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله.
(فمن يكفر بالطاغوت) الطاغوت فعلوت من طغى يطغى ويطغو، إذا جاوز الحد، قال سيبويه: هو اسم مذكر مفرد أي اسم جنس يشمل القليل والكثير قاله سيبويه، وقال أبو علي الفارسي إنه مصدر كرهبوت وجبروت يوصف به الواحد والجمع.
وقيل أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من مخير اشتقاق، وقال المبرد هو جمع، قال ابن عطية وذلك مردود.
قال الجوهري: والطاغوت الكاهن والساحر والشيطان وكل رأس في الضلال وكل ما عبد من دون الله وقد يكون واحداً، قال تعالى (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) وقد يكون جمعاً، قال تعالى (أولياؤهم الطاغوت) والجمع الطواغيت أي فمن يكفر بالشيطان أو الأصنام أو أهل الكهانة ورؤس الضلالة أو بالجميع.
(ويؤمن بالله) عز وجل بعدما تميز له الرشد من الغي، والحق عن الباطل والهدى عن الضلالة، وإنما قدّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله لأن