طلقها زيد. قال الخازن: وهذا قول حسن مرضي، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق، لا مقال فيه ولا عيب عند الله، وربما كان الدخول في ذلك المباح سلّماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين، وهو إنما جعل طلاق زيد لها وتزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها؛ لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال تعالى:(لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم).
(فلما قضى زيد منها وطراً) قضاء الوطر في اللغة بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء يقال قضى وطراً منه إذا بلغ ما أراد من حاجته فيه، والمراد هنا أنه قضى وطره منها بنكاحها والدخول بها بحيث لم يبق له فيها حاجة، وتقاصرت عنه همته وطابت عنها نفسه. وقيل المراد به الطلاق لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة. وقال المبرد: الوطر الشهوة والمحبة.
وقال أبو عبيدة الوطر الأرب والحاجة. قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي: كان يقال زيد بن محمد: حتى نزل " أدعوهم لآبائهم " فقال: أنا زيد بن حارثة وحرم عليه أنا زيد بن محمد: فلما نزع هذا الشرف وهذا الفخر منه، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يختص بها أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أنه سمّاه في القرآن أي في هذه الآية، فذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم، حتى صار اسمه قرآناً يتلى في المحاريب، ونوه به غاية التنويه، فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ألا ترى إلى قول أُبي بن كعب؟ حين قال له النبي (- صلى الله عليه وسلم -)" إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا فبكى " وقال: أذكرت هنالك، وكان بكاؤه من الفرح - حيث إن الله تعالى ذكره فكيف بمن صار اسمه قرآناً يتلى مخلداً لا يبلى؟ يتلوه أهل الدنيا إذا قرأوا القرآن، وأهل الجنة كذلك أبداً لا يزال على ألسنة المؤمنين، كما لم يزل مذكوراً على الخصوص عند رب العالمين، إذ القرآن كلام الله القديم، وهو باق لا يبيد. فاسم زيد في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة يذكره في تلاوتهم السفرة الكرام البررة، وليس ذلك لاسم من اسماء المؤمنين إلا لنبي من