إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد الكافر أنه يقدر على أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء، وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة، فكان هذا جواباً أحمق لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم لأنه أراد غير ما أراده الكافر، فلو قال له ربي الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك لبهت الذي كفر بادىء بدء وفي أول وهلة، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى أوضح منها تنفيساً لخناقه وإرسالاً لعنان المناظرة. (١)
(قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) لكون هذه الحجة لا تجري فيها الغالطة ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة وتمويهاً وتلبيساً على العوام.
(فبهت الذي كفر) بهت الرجل وبهت وبهت إذا انقطع وسكت متحيراً، وقال ابن عطية: وقد تأوّل قوم في قراءة بهت بالفتح أنه بمعنى سب وقذف وأن النمرود هو الذي سب حين انقطع ولم تكن له حيلة انتهى.
وقال سبحانه (فبهت الذي كفر) ولم يقل فبهت الذي حاج إشعاراً بأن تلك المحاجة كفر، وقيل هذا الفعل من جملة الأفعال التي جاءت على صورة المبني للمفعول، والمعنى فيها على البناء للفاعل، والبهت الانقطاع والحيرة وهو مبهوت لا باهت ولا بهيت.
(والله لا يهدي القوم الظالمين) تذييل مقرر لمضمون الجملة التي قبله.
(١) وقال ابن الجوزي تعليقاً على هذا الموضوع: إن إبراهيم رأى من فساد معارضته أمراً يدل على ضعف فهمه فإنه عارض اللفظ بمثله ونسي اختلاف الفعلين فانتقل إلى حجة أخرى قصداً لقطع المحاج لا عجزاً عن نصرة الأولى.