أنه لم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم، زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة، فإذا نظر إلى حماره عظاماً نخرة تقرر لديه أن ذلك صنع من تأتي قدرته بما لا تحيط به العقول، فإن الطعام والشراب سريع التغير، وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير، والحمار يعيش المدة الطويلة وقد صار كذلك فتبارك الله أحسن الخالقين.
(ولنجعلك آية للناس) وعبرة ودلالة على البعث بعد الموت قاله الفراء، وقال الأعمش: كونه آية هو أنه جاء شاباً على حاله يوم مات فوجد الأبناء والحفدة شيوخاً.
(وانظر إلى العظام كيف ننشزها) قرأ الكوفيون بالزاي والباقون بالراء، وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ كيف ننشزها فمعنى القراءة بالزاي نرفعها ومنه النشز، وهو المرتفع من الأرض أي نرفع بعضها إلى بعض، وأما معنى القراءة بالراء فواضحة من أنشر الله الموتى أي أحياهم.
(ثم نكسوها لحماً) أي نسترها به كما يستر الجسد باللباس، واستعار اللباس لذلك ولعل عدم التعرض لنفخ الروح لما أن الحكمة لا تقتضي بيانه.
(فلما تبين له) ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكر فيها التي استغربها، قال ابن جرير: لما اتضح له عياناً ما كان مستنكراً في قدرة الله عنده قبل عيانه من إحياء القرية.
وقال الزمخشري: ما أشكل عليه يعني من أمر الإحياء، والأول أولى لأن قوة الكلام تدل عليه بخلاف الثاني.
(قال أعلم) أي علم مشاهدة بعد العلم اليقيني الحاصل بالفطرة والأدلة العقلية، قال أبو علي الفارسي: معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته (أن الله على كل شيء قدير) لا يستعصي عليه شيء من الأشياء، ويدخل تحته الإماتة والإحياء دخولاً أولياً.