جبل من كل واحد منهن جزءاً، والجزء النصيب، واختلفوا في عدد الأجزاء والجبال وليس في ذكر ذلك كثير فائدة.
(ثم ادعهن) أي قل لهن تعالين بإذن الله تعالى (يأتينك) إتياناً سريعاً (سعياً) أي مشياً سريعاً. والمراد بالسعي الإسراع في الطيران أو المشي وقيل السعي هو الحركة الشديدة، وقيل العدو، وقيل الطيران، وفيه أنه لا يقال للطائر إذا طار سعى، فالحكمة في السعي دون الطيران أن ذلك أبعد من الشبهة لأنها لو طارت لتوهم متوهم أنها غير تلك الطيور، أو أن أرجلها غير سليمة فنفى الله تعالى هذه الشبهة (واعلم أن الله عزيز حكيم) في صنعه.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: وضعهن على سبعة أجبل وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها، وناهيك بالقصة دليلاً على فضل الخليل وحسن الأدب في السؤال، حيث أراه ما سأل في الحال، وأرى العُزَيْر ما أراه بعد إماتته مائة عام (١).
(١) قال ابن عباس: فأخذ هذه الطير حسب ما أمر وذكاها ثم قطعها قطعاً صغاراً، وخلط لحوم البعض إلى لحوم البعض مع الدم والريش حتى يكون أعجب، ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءاً على كل جبل، ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وامسك رؤوس الطير في يده، ثم قال: تعالين بإذن الله، فتطايرت تلك الأجزاء وطار الدم إلى الدم والريش إلى الريش حتى التأمت مثل ما كانت أولاً وبقيت بلا رؤوس، ثم كرر النداء فجاءته سعياً، أي عدواً على أرجلهن. وقد ذكر القرطبي القصص عن المفسرين في ماهية الطيور وكيفية جمعها.