وقال القتيبي: مناظراً مع عشيرته، ومتفكراً في نفسه، وقيل: المثنى عمل النهار، والفرادى عمل الليل، قاله الماوردي. وما أبرد هذا القول، وأقل جداوه ونصبهما على الحال، وقدم المثنى لأن طلب الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة، فإن انقدح الحق بين الاثنين فكر كل واحد منهما بعد ذلك فيزداد بصيرة قال الشاعر:
إذا اجتمعوا جاءوا بكل غريبة ... فيزداد بعض القوم من بعضهم علماً
(ثم تتفكروا) في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من الكتاب فإنكم عند ذلك تعلمون أن (ما بصاحبكم من جنة) وذلك لأنهم كانوا يقولون: إن محمداً مجنون فقال الله سبحانه: قل لهم: اعتبروا أمري بواحدة وهي أن تقوموا لله، وفي ذاته مجتمعين، فيقول الرجل لصاحبه: هلم فلنصادق هل رأينا بهذا الرجل من جنة؟ أي جنون وجربنا عليه كذباً، ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر، وينظر فإن في ذلك ما يدل على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صادق وأنه رسول من
عند الله، وأنه ليس بكاذب ولا ساحر ولا مجنون.
قال محمد بن كعب في الآية: يقوم الرجل مع الرجل أو وحده فيفكر ما بصاحبه من جنة، وقال قتادة: يقول: إنه ليس مجنون، وقيل مستأنفة من جهة الله سبحانه مسوقة على طريقة النظر والتأمل بأن هذا الأمر عظيم والدعوى الكبيرة لا يعرض نفسه له إلا مجنون لا يبالي بما يقال فيه وما ينسب إليه من الكذب، وقد علموا أنه أرجح الناس عقلاً، وأوزنهم حلماً وأحدَّهم ذهناً، وأرضاهم رأياً وأصدقهم قولاً، وأزكاهم نفساً، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال، ويمدحون به فوجب أن يصدقوه في دعواه، لا سيما مع انضمام المعجزة الواضحة، وإجماعهم على أنه لم يكن ممن يفتري الكذب، ولا قد جربوا عليه كذباً مدة عمره، وعمرهم. وقيل: ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون واختار أبو حاتم وابن الأنباري الوقف على قوله (ثم تتفكروا) وعلى هذا تكون جملة ما بصاحبكم من جنة مستأنفة كما قدمنا. وقيل ليس بوقف لأن المعنى ثم تتفكروا