الله من عباده العلماء)، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها، والراجح الوجه الأول والوقف على كذلك تام، ثم استأنف الكلام وأخبر سبحانه بقوله:
(إنما يخشى الله من عباده العلماء) وهو من تتمة قوله: (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب) على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة، وعلى كل تقدير فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته، وهم العلماء به، وبعظيم قدرته قال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل، ومثله عن الشعبي.
وقال مسروق: كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار جهلاً، وعن ابن مسعود نحوه فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له. قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر لانعكس الأمر، وقرىء: برفع الاسم الشريف ونصب العلماء ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة. قال في الكشاف: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى أنه يجلهم ويعظهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس.
قال ابن عباس: العلماء بالله الذين يخافونه، وعنه قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير، وعن ابن مسعود قال: ليس العلم من كثرة الحديث، لكن العلم من الخشية، وفي لفظ بكثرة الرواية وعن حذيفة بحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله.
وعن عائشة قالت: صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاًً فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فخطب فحمد الله، ثم قال:" ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " أخرجه البخاري ومسلم.
(إن الله عزيز غفور) تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب لى معصيته غافر لمن تاب من عباده.