تعالى:(إنك لمن المرسلين) وقال: (لتنذر قوماً) قال قل لهم: ما أنا بدعاً من الرسل، فإن قبلي بقليل جاء أصحاب القرية المرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار المقامة، وعلى الثاني لما قال: إن الإنذار لا ينفع من أضله الله: وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اضرب لنفسك ولقومك مثلاً، أي مثل لهم عند نفسك مثلاً بأصحاب القرية، حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على الإيذاء وأنت جئت إليهم واحداً، وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا إلى أهل قرية وأنت بعثتك إلى الناس كافة:
والمعنى: واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب القرية، أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية فترك المثل وأقيم أصحاب القرية مقامه في الإعراب. وقيل لا حاجة إلى الإضمار، بل العنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً على أن يكون مثلاً.
وأصحاب القرية مفعولين لـ (اضرب) أو يكون أصحاب القرية بدلاً من (مثلاً) وقد قدمنا الكلام على المفعول الأول من هذين المفعولين؛ هل هو (مثلاً) و (أصحاب القرية) وقد قيل: إن ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها، كما في قوله:(ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) ويستعمل أخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله: (وضربنا لكم الأمثال) أي بينا لكم أحوالاً بديعة غريبة هي في الغرابة كالأمثال.
فقوله سبحانه هنا (واضرب لهم مثلاً) يصح اعتبار الأمرين فيه. قال القرطبي: هذه القرية هي انطاكية في قول جميع المفسرين، وبه قال ابن عباس وبريدة، وهي ذات أعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة أجبل، دورها اثني عشر ميلاً، والعواصم بلاد قصبتها انطاكية، وهي بأرض الروم.
(إذ جاءها المرسلون) بدل اشتمال من أصحاب القرية، والمرسلون