للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه معطوفة عليها، أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر كالمثل في الغرابة، وهي إنكاره إحياءنا للعظام، أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل، وأنكرها أشد الإنكار، وهي إحياؤنا إياها، أو جعل لنا مثلاً ونظيراً من الخلق، وقاس قدرتنا على قدرتهم، ونفى الكل على العموم فالمثل على الأول هو إنكار إحيائه للعظام، وعلى الثاني هو إحياؤه لها، وأما على الثالث فلا فرق بين أن يكون المثل هو الإنكار أو المنكر.

(ونسي خلقة) أي خلقنا إياه من المني الدال على بطلان ما ضربه من المثل وذهل عنه، وترك ذكره على طريقة اللداد والمكابرة، فهو أغرب من إحياء العظم.

(قال من يحيي العظام وهي رميم) بالية استئناف جواباً عن سؤال مقدر كأنه قيل: ما هذا المثل الذي ضربه؟ فقيل: قال من يحيي العظام وهي رميم؟ وهذا الاستفهام للإنكار لأنه قاس قدرة الله على قدرة العبد فأنكر أن الله يحيي العظام البالية حيث لم يكن ذلك في مقدور البشر. يقال: رم العظم يرم رماً إذا بلي، فهو رميم ورمام، وإنما قال: رميم ولم يقل: رميمة مع كونه خبراً للمؤنث لأنه اسم لما بلي من العظام غير صفة، كالرمة والرفات، وقيل: لكونه معدولاً عن فاعله، وكل معدول عن وجهه يكون مصروفاً عن إعرابه كما في قوله: (وما كانت أمك بغياً) لأنه مصروف عن باغية. كذا قال البغوي والقرطبي، وقال بالأول صاحب الكشاف.

والأولى أن يقال: إنه فعيل بمعنى فاعل. من رم الشيء صار اسماً بالغلبة أو مفعول، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث كما قيل في جريح وصبور.

ومن يثبت الحياة في العظام ويقول: إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبت بهذه الآية، وهي عند الحنفية طاهرة، وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>