أقول هذا تمهيداً لتذكيرك بعدم الاغترار بما لعلك اطلعت أو تطلع عليه من الوجوه التي حمل عليها بعض المتفقهة والمصنفين في تفسير قوله تعالى في سورة النجم:(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) فحرفوا الكلم عن مواضعه تارة بالتأويلات السخيفة، وتارة بدعوى النسخ الباطلة، وتارة بدعوى أن هاتين الآيتين من شريعة إبراهيم وموسى لا من شرعنا، وتارة بتخصيصها بالكفار دون المسلمين.
وقد غفل هؤلاء عن كون مضمون الآيتين من قواعد الدين وأصول الإسلام، الثابتة على ألسنة جميع الرسل ومؤيداً بآيات كثيرة بلفظها ومعناها كآية:(ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) وغيرها مما يعلق الفلاح والخسر بالأعمال.
أما هؤلاء المقلدون من المتأخرين فسبب غفلهم وتأويلهم أنهم يحاولون تصحيح كل ما فشا من البدع بين أقوالهم والمنسوبين إلى مذاهبهم وليسوا من أهل الدليل، ولكنهم لا يتركون ضلالة التأويل، وأما أهل النظر في أدلة المذاهب منهم فلا هم من النظر في الكتاب والسنة إلا أخذ ما يرونه مؤيداً لمذاهبهم وترك ما سواه بضرب من التأويل، أو دعوى النسخ أو احتماله بغير دليل.
ولو كان هؤلاء المقلدون العميان هم الذين جوزوا وحدهم للناس إهداء عباداتهم للموتى لهان الخطب ولكن تابعهم على ذلك بعض علماء السنة من أهل الأثر والنظر (كابن تيمية وابن القيم) إذ ظنوا أن الأحاديث الواردة في الدعاء للموتى والإذن للأولاد بأن يقضوا ما على والديهم من صيام أو صدقة أو حج، تدل على انتفاع الموتى بعبادات الأحياء مطلقاً، غافلين عن حصر ما صح من ذلك في الأولاد فقط، وحديث " صام عنه وليه " يتعين أن يراد بالولي هنا الولد ليوافق سائر النصوص، وولد المرء من عمله، فانتفاع الميت بعمل ولده الحي يدخل في القاعدة ولا يناقضها.