والجواب إن الداعي للإنسان إما أن يكون ولده وإما أن يكون غير ولده أما الولد فقد بينت السنة أن عمله استمرار لعمل الوالد:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .. أو ولد صالح يدعو له " فدعوة الولد من سعي الوالد وعمله.
وأما إذا كان الداعي غير ولده فقد أثبت الواقع المشاهد الذي لا ينكره إلا معاند أن أحداً لا يدعو لأحد إلا لإحسان أو بر نال الداعي من المدعو له وما رأينا أحداً يدعو لأحد اعتباطاً أو مجاناً.
ولا شك أن البر والإحسان إلى المسلمين من الطاعات. وهي من كسب الشخص وسعيه وعمله، فإذا استجاب الله دعاء الداعي للبار المحسن، كان ذلك ثواباً لإحسانه وبره، وبذلك يكون الشخص قد انتفع بكسبه وسعيه وعمله، إذ لولا الإحسان والبر ما دعا الداعي.
فقد انتفع الشخص بكسبه وسعيه وعمله لا بعمل غيره.
وإذا فرضنا أن الداعي لم ينله من المدعو له إحسان ولا بر، أفلا يدعو له بالخير لأنه من إخوانه المسلمين المؤمنين، والإيمان رحم بين المؤمنين؛ ولولا إسلامه وإيمانه ما دعا له، لأن المسلم يعتبر المسلمين إخوة ويعتبر الدعاء لهم من البر بهم، والإسلام والإيمان من كسب العبد وسعيه وعمله، فإذا انتفع المسلم باستجابة الله تعالى لدعاء مسلم من إخوانه، كان انتفاعه بسبب إسلامه وإيمانه، أي بسبب كسبه وعمله قبل كل شيء.
والله تعالى جعل الدعاء للمؤمن من ثواب إيمانه، قال تعالى:(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
فلولا صبرهم ما سلمت عليهم الملائكة، وتسليم الملائكة دعاء بالسلامة وهو ثواب صبرهم، وصبرهم من كسبهم وسعيهم وعملهم، وهذا شيء من الوضوح والجلاء بحيث لا يحتاج إلى إقامة دليل ولا برهان، فهو في حكم البدهيات التي لا تفتقر إلى نظر ولا استدلال.