(ورب المشارق) أعاد الرب فيها لما فيها من غاية ظهور آثار الربوبية وتجددها كل يوم، قيل: أراد مشارق الكواكب، والظاهر أنها مشارق الشمس، قيل: إن الله خلق للشمس كل يوم مشرقاً ومغرباً بعدد أيام السنة تطلع كل يوم من واحد منها، وتغرب في واحد، كذا قال ابن الأنباري وابن عبد البر، وأما قوله في سورة الرحمن (رب المشرقين ورب المغربين) فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في الأيام القصار، وكذلك في المغربين.
وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد بهما الجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها، واقتصر على المشارق اكتفاء على حد:(سرابيل تقيكم الحر) أي والمغارب للشمس، ولم يعكس لأن شروق الشمس سابق على غروبها، وأيضاًً فالشروق أبلغ في النعمة وأكثر نفعاً من الغروب، فذكر المشرق تنبيهاً على كثرة إحسان الله تعالى على عباده، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال:(إن الله يأتي بالشمس من المشرق).
قال الكرخي: وجمع هنا المشرق وحذف مقابله وثناه في الرحمن وجمعه في المعارج وأفرده في المزمل مع ذكر مقابله في الثلاثة لأن القرآن نزل على المعهود من أساليب كلام العرب وفنونه، ومنها الإجمال والتفصيل والذكر والحذف والتثنية والجمع، والإفراد باعتبارات مختلفة، فأفرد وأجمل في المزمل أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما، وجمع وفصل في المعارج، أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبعمائة، وثنى وفصل في الرحمن أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، وجمع وحذف هنا أراد جميع مشارق السنة، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف كما مرت الإشارة إليه، وخص ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة، وبالحذف مناسبة للزينة إذ هي إنما تكون غالباً بالضياء والنور، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب وما في الرحمن بالتثنيه موافقة للتثنيه في (يسجدان) وفي: (فبأي آلاء ربكما