كابن جرير فإنه رجح أنه إسحق، ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض ما سقناه ههنا وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح وليس الأمر كما ذكره فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحق لم تكن فوقها ولا أرجح منها، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، وما روي عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جداً ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، وهي محتملة ولا تقوم حجة بمحتمل، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفيه السلامة من الترجيح بلا مرجح ومن الاستدلال بالمحتمل.
(فانظر ماذا ترى) قرىء: بضم التاء الفوقية وكسر الراء والمفعولان محذوفان أي انظر ماذا تريني إياه من صبرك واحتمالك، وقرىء: بفتح التاء والراء من الرأي، وهو مضارع رأيت وقرىء ترى بضم التاء وفتح الراء مبنياً للمفعول، أي ماذا يخيل إليك ويسنح لخاطرك؟ قال الفراء: في بيان معنى القراءة: الأولى انظر ماذا ترى من صبرك وجزعك.
وقال الزجاج: لم يقل هذا أحد غيره وإنما قال العلماء: ماذا تشير أي ما تريك نفسك من الرأي؟ وقال أبو عبيد: إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة، وكذا قال أبو حاتم، وغلطهما النحاس. وقال: هذا يكون من رؤية العين وغيرها، ومعنى القراءة الثانية ظاهر واضح وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله وإلا فرؤيا الأنبياء وحي وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم.
(قال يا أبت افعل ما تؤمر) به مما أوحي إليك من ذبحي و (ما) موصولة. وقيل: مصدرية على معنى افعل أمرك، والمصدر مضاف إلى المفعول وتسمية المأمور به أمراً والأول أولى (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) على ما ابتلاني به من الذبح، والتعليق بمشيئة الله سبحانه تبرك بها منه.