داود قوماً حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده؛ فأتى داود في منامه فقيل له اقتل الرجل الذي استعدى، فقال إن هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت: فأتى الليلة الثانية في منامه فأمر أن يقتل الرجل فلم يفعل ثم أتى الليلة الثالثة؛ فقيل له اقتل الرجل أو تأتيك العقوبة من الله فأرسل داود إلى الرجل فقال إن الله أمرني أن أقتلك قال تقتلني بغير بينة ولا تثبت قال نعم والله لأنفذن أمر الله فيك فقال الرجل لا تعجل عليّ حتى أخبرك أني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته فبذلك أخذت؛ فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وشدد به ملكه فهو قول الله وشددنا ملكه ".
(وآتيناه الحكمة) المراد بها النبوة والمعرفة بكل ما يحكم به، وقال مقاتل: الفهم والعلم، وقيل الزبور وعلم الشرائع، وقيل الإصابة في الأمور وقيل كل كلام وافق الحق فهو الحكمة، وقال مجاهد: العدل وقال أبو العالية العلم بكتاب الله، وقال شريح: السنة، ولا مانع من حمل الآية على الكل.
(وفصل الخطاب) المراد به الفصل في القضاء، وبه قال الحسن والكلبي ومقاتل وحكى الواحدي عن الأكثر أن فصل الخطاب الشهود والأيمان لأنها إنما تنقطع الخصومة بهذه وبه قال أُبي ابن كعب، وقال علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وقيل: الفصل بين الحق والباطل، وقاله شريح والشعبي وقتادة أيضاًً، وقيل: هو الإيجاز يجعل المعنى الكثير في اللفظ القليل، وقيل: بيان الكلام، وقيل علم الحكم والتبصر بالقضاء والمعاني متقاربة.
وعن أبي موسى الأشعري قال: " أول من قال: أما بعد، داود عليه السلام، وهو فصل الخطاب "، أخرجه ابن أبي حاتم والديلمي، وعن الشعبي أنه سمع زياد بن أبيه يقول: فصل الخطاب الذي أوتيه داود: أما بعد أخرجه سعيد بن منصور، ولما مدحه الله سبحانه بما تقدم ذكره أردف ذلك بذكر هذه القصة الواقعة له، لما فيها من الأخبار العجيبة وقال: