على أن إفساد المال المنهي عنه في شرعنا إنما هو مجرد إضاعته لغير غرض صحيح وأما لغرض صحيح فقد جاز مثله في شرعنا، كما وقع منه صلى الله عليه وسلم من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر، قال ابن عباس مسحاً عقراً بالسيف، أي قطع سوقها وأعناقها بالسيف.
قال الرازي: التفسير الحق المطابق لألفاظ القرآن أن تقول: إن رباط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم كما أنه كذلك في ديننا. ثم إن سليمان احتاج إلى غزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله تعالى، وتقوية دينه، وهو المراد بقوله عن ذكر ربي، ثم إنه أمر بإعدائها وإجرائها حتى توارت بالحجاب ثم أمر برد الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح والغرض من ذلك المسح أمور:
الأول: تشريفها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
الثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والمملكة يبلغ إلى أنه يباشر الأمور بنفسه.
الثالث: أنه أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسح حتى يعلم ما فيها مما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن ولا يلزمنا شيء من تلك المنكرات والمحظورات انتهى وما أبرد هذا التفسير من الرازي، وأبعده عن النظم القرآني والحق ما ذكرناه فإن اللغة تشهد بضرب السوق والأعناق، ولا وجه للعدول عنه إلى تأويل ركيك، وتوجيه بعيد، بناء على عصمة الأنبياء عليهم السلام.