القدرية في نصوص القدر، وكذلك الحرورية وغيرهم من الخوارج في النصوص التي تخالف مذاهبهم وكذلك القرامطة والباطنية والمتصوفة طردت الباب وحملت الوادي على القرى وتأولت الدين كله.
فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مراده، وهل اختلف الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل، وهل وقعت في الأمة فتنة صغيرة أو كبيرة إلا بالتأويل، فمن بابه دخل إليها، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل، وليس هذا مختصاً بدين الإسلام فقط بل سائر أديان الرسل لم تزل على الإستقامة والسداد حتى دخلها التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد.
وقد تواترت البشارات بصحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المتقدمة ولكن سلطوا عليها التأويلات فافسدوها كما أخبر سبحانه عنهم من التحريف والتبديل والكتمان، والتحريف: تحريف المعاني بالتأويلات التي لم يردها المتكلم، والتبديل تبديل لفظه بلفظ آخر والكتمان جحده، وهذه الأودات الثلاثة منها غيرت الأديان والملل.
وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما تطرقوا إلى فساده بالتأويل بما لا يكاد يوجد مثله في شيء من الأديان. ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل، وكذلك زنادقة الأمم جميعهم إنما تطرقوا إلى فساد ديانات الرسل بالتأويل، ومن بابه دخلوا وعلى أساسه بنوا وعلى نقطه حطوا.
والمتأولون أصناف عديدة بحسب الباعث لهم على التأويل وبحسب قصور أفهامهم ورقودها وأعظمهم توغلاً في التأويل الباطل من قصد قصده وفهمه كما شاء قصده وقصر فهمه كان تأويله أشد إنحرافاً.
وبالجملة فافتراق أهل الكتابين وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل، وإنما أريقت دماء السلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن