والمراد بالأرض الأرضون السبع، يشهد لذلك قوله (جميعاً) وقوله الآتي (وَالسَّمَاوَاتُ) لأن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع، ولأن الموضع موضع تعظيم، فهو مقتض للمبالغة، والمعنى الأرضون جميعاً ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة، وقدم الأرض على السموات لمباشرتهم بها ومعرفتهم بحقيقتها.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال:" جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد أن الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) " وإنما خص يوم القيامة بالذكر -وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا أيضاً- لأن الدعاوي تنقطع في ذلك اليوم، كما قال. (والأمر يومئذ لله) وقال (مالك يوم الدين) ولذلك قال في الحديث " ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ".
(والسموات مطويات بيمينه) ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه، والطي ضد النشر واليمين في كلام العرب قد يكون بمعنى القدرة والملك. قال الأخفش بيمينه يقول في قدرته نحو قوله (أو ما ملكت أيمانكم) أي ما كانت لكم قدرة عليه، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد، ومنه قوله سبحانه (لأخذنا منه باليمين) أي بالقوة والقدرة، وليس يريد به طياً بعلاج وانتصاب، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب، يقال قد انطوى عنا ما كنا فيه، وجاءنا غيره،