معرض الذم والتهجين، وذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل.
ومما يدل عليه أيضاًً من حيث العقل أن التقليد أمر مشترك فيه بين المبطل وبين المحق، وذلك لأنه كما حصل لهذه الطائفة قوم من المقلدة، فكذلك حصل لأضدادهم أقوام من المقلدة، فلو كان التقليد، طريقاً إلى الحق لوجب كون الشيء ونقيضه حقاً، ومعلوم أن ذلك باطل، وأنه تعالى بين أن الداعي إلى القول بالتقليد والحامل عليه إنما هو حب التنعم في طيبات الدنيا، وحب الكسل والبطالة، وبغض تحمل مشاق النظر والاستدلال، لقوله:(إلا قال مترفوها) والمترفون هم الذين أترفتهم النعمة، أي أبطرتهم، فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي، ويبغضون تحمل المشاق في طلب الحق أهـ.
أقول وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، منها ما ذكره ابن القيم، وأنا أورده ههنا قال: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم بطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت به بغير حجة، قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة قال الله عز وجل.
(هل عندكم من سلطان بهذا) أي من حجة بهذا، فإذا قال أنا أعلم أني قد أصبت، وإن لم أعرف الحجة لأني قلدت كثيراً من العلماء، وهو لا يقول إلا بحجة خفيت على قيل له: إذا جاز تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك فتقليد معلم معلمك أولى، لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك. فإن قال نعم ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبى ذلك نقض قوله، وقيل له كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علماً؟ ولا