للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) أي ليستخدم بعضهم بعضاً فيستخدم الغني الفقير، والرئيس المرؤوس والقوي الضعيف، والحر العبد، والعاقل من دونه في العقل والعالم الجاهل وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا، وبه تتم مصالحهم وينتظم معاشهم، ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه، فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين فجعل البعض محتاجاً إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا ويحتاج هذا إلى هذا ويصنع هذا لهذا ويعطي هذا هذا.

وقال السدي وابن زيد سخرياً خولاً وخدماً، يسخر الأغنياء الفقراء، فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض، وقال قتادة والضحاك: ليملك بعضهم بعضاً، وقيل هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء، قال الأخفش سخرت به، وسخرت منه، وضحكت به، وضحكت منه، وهزأت به، وهزأت منه، وهذا وإن كان مطابقاً للمعنى اللغوي لكنه بعيد من معنى القرآن، ومناف لما هو مقصود السياق، وعلى هذا القول تكون اللام للصيرورة والعاقبة، لا للعلة والسببية.

(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) يعني بالرحمة ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة. وقيل هي النبوة لأنها المرادة بالرحمة المتقدمة في قوله (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ولا مانع من أن يراد كل ما يطلق عليه اسم الرحمة إما شمولاً أو بدلاً (خير مما يجمعون) أي مما يجمعونه من الأموال وسائر متاع الدنيا لأن الدنيا على شرف الزوال والإنقراض وفضل الله ورحمته تبقى أبد الآبدين، ثم بين سبحانه حقارة الدنيا عنده فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>