للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن قتيبة: فيه وجهان، الأول: أنه في سنة القحط يعظم يبس الأرض بسبب انقطاع المطر ويرتفع الغبار الكثير، ويظلم الهواء وذلك يشبه الدخان، ويقولون كان بيننا أمر ارتفع له دخان، ولهذا يقال للسنة المجدبة: الغبراء (الثاني): أن العرب يسمون الشيء الغالب بالدخان، والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه اظلمت عيناه، ويرى الدنيا كالمملوءة من الدخان.

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود " أن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأوا عن الإسلام قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع فأنزل الله هذه الآية فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله استسق الله المطر فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله (إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) فانتقم الله منهم يوم بدر فقد مضى البطشة والدخان واللزام "، وقد روي عن ابن مسعود نحو هذا من غير وجه وروي نحوه عن جماعة من التابعين كمقاتل ومجاهد وعن أبي مليكة قال دخلت على ابن عباس فقال: " لم أنم هذه الليلة فقلت لم؟ قال طلع الكوكب فخشيت أن يطرق الدخان " (١) قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح وكذا صححه السيوطي ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية (٢).

وقد عرفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع، وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلاماتها


(١) الطبري ٢٥/ ١١٣.
(٢) ذكره البخاري بألفاظ مختلفة ٨/ ٣٩٤ - ٤٢٠ - ٤٤٠ ورواه مسلم أيضاًً.

<<  <  ج: ص:  >  >>