بشر ليلة بات بها قوم، فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فأخبرناه فقال إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ".
وأخرج أحمد عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وقد روي نحو هذا من طرق والجمع بين الروايات بالحمل على قصتين وقعتا منه صلى الله عليه وسلم مع الجن حضر إحداهما ابن مسعود ولم يحضر في الأخرى وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجن بعد هذا وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة وأخذوا عنه الشرائع وذكر سليمان الجمل في سبب هذه الواقعة قولين من الخطيب والخازن لا حاجة بنا إلى ذكرهما فإنهما ليسا من التفسير في شيء.
(فلما حضروه) أي حضروا القرآن عند تلاوته وقيل حضروا النبي صلى الله عليه وسلم ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة والأول أولى (قالوا أنصتوا) أي اسكتوا أمر بعضهم بعضاً لأجل أن يسمعوا.
(فَلَمَّا قُضِيَ) قرأ الجمهور مبنياً للمفعول أي فرغ من تلاوته وقرىء مبنياً لفاعل أي فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من تلاوته والأولى تؤيد أن الضمير في حضروه القرآن والثانية تؤيد أنه للنبي صلى الله عليه وسلم.
(وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن، ومحذرين لهم وانتصاب منذرين على الحال المقدرة أي مقدرين الإنذار وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يهوداً وقد أسلموا والجن لهم ملل مثل الإنس ففيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام، وفي مسلميهم مبتدعة، ومن يقول بالقدر وخلق القرآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع قاله الخازن.