وهو مأخوذ من الشيء الثخين أي الغليظ، وفي المصباح أثخن في الأرض إثخاناً سار إلى العدو وأوسعهم قتلاً، وأثخنته أوهنته بالجراحة، وأضعفته وقد مضى تحقيق معناه في الأنفال، والمعنى إذا أثقلتموهم وقهرتموهم بالقتل والجراح ومنعتموهم النهوض والحركة.
(فشدوا الوثاق) بالفتح القيد والحبل، ويجيء بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط، قال الجوهري وأوثقه في الوثاق بكسر الواو لغة فيه والجمع وثق مثل رباط وربط وعناق وعنق، قرأ الجمهور فشدوا بضم الشين؛ وقرىء بكسرها، وإنما أمر سبحانه بشد الوثاق لئلا يفوتوا وينفلتوا أو المعنى إذا بالغتم في قتلهم وأكثرتم القتل فيهم فأمسكوا عنهم وأسروهم واحفظوهم بالوثاق.
(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) قرأ الجمهور بالمد، وقرىء بالقصر أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر وشد الوثاق مناً أو تفدوا فداء، والمن الإطلاق بغير عوض والفداء ما يفدى به الأسير نفسه من الأسر، ولم يذكر القتل هنا اكتفاء بما تقدم، وإنما قدم المن على الفداء لأنه من مكارم الأخلاق ولهذا كانت العرب تفتخر به كما قال شاعرهم:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
قال ابن عباس في الآية: جعل الله النبي والمؤمنين بالخيار في الأسارى إن شاؤوا قتلوهم، وإن شاؤوا استعبدوهم، وإن شاؤوا فادوهم، وعنه أيضاًً قال: هذا منسوخ نسختها: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين) وعن الحسن قال: أتى الحجاج بأسارى فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله فقال ابن عمر ليس بهذا أمرنا إنما قال الله: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).