التعريف بالمغفرة تقديره إنا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم، فإن الناس علموا بعد عام الفيل أن مكة لا يأخذها عدو الله، وإنما يأخذها حبيب الله، وقال ابن عطية: المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك، فكأنها لام الصيرورة، وقال أبو حاتم: هي لام القسم والأصل ليغفرن فكسرت اللام تشبيهاً بلام كي، وحذفت النون، وهو خطأ فإن لام القسم لا تكسر ولا تنصب المضارع.
قال ابن عادل: وقد يقال: إن هذا ليس بنصب، وإنما هو بقاء للفتح الذي كان قبل نون التوكيد بقي ليدل عليها، ولكن هذا قول مردود، وقال البيضاوي اللام علة للفتح، من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار، والسعي في إعلاء الدين وإزاحة الشرك وتكميل النفوس الناقصة، وقال الجلال المحلي: اللام: للعلة الغائبة فمدخولها مسبب لا سبب.
واختلف في معنى قوله:(ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقيل: ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها، قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم، وقال عطاء:(ما تقدم من ذنبك) يعني: ذنب أبويك آدم وحواء، وما تأخر من ذنوب أمتك، وما أبعد هذا عن معنى القرآن، وقيل: ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله، وقيل: ما تقدم من ذنب يوم بدر وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد وقيل: لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له والأول أولى، ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمي ذنباً في حقه لجلالة قدره وإن لم يكن ذنباً في حق غيره فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن المغيرة بن شعبة قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً " وفي الباب أحاديث.