(وما أنزل من قبلك) وهو الكتب السالفة المنزلة على الأنبياء من قبل كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وغيرها، والإيمان بالكل جملة فرض عين، وبالقرآن تفصيلاً فرض كفاية، قيل هو مؤمنو أهل الكتاب، وفيهم نزلت، وقد رجح هذا ابن جرير، ونقله السدي عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة، واستشهد له ابن جرير بقوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم) وبقوله تعالى (والذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب، وقيل إن الآيتين جميعاً في المؤمنين على العموم، وعلى هذا فالجملة عطف على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة أو مرفوعة على الاستئناف، أو عطف على المتقين، والتقدير هدى لهم وللذين يؤمنون، الحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل إلى من قبله بمقتضى لجعل ذلك وصفاً لمؤمني أهل الكتاب، ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا، ولا في نظم القرآن ما يقتضي ذلك، وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية فمن ذلك قوله (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) وقوله تعالى (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل اليكم) وقوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) وقال (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم).
(وبالآخرة) أي بالدار الآخرة، تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول كما أن الدنيا تأنيث الأدنى غلبتا على الدارين فجرتا مجرى الاسماء وهي صفة الدار بدليل قوله تعالى (تلك الدار الآخرة) وسميت آخرة لتأخرها عن الدنيا وكونها بعدها (وهم يوقنون) الإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه، قال في الكشاف فالمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك، وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير إشعار بالحصر، وأن ما