قال الحسن: بلغ من تشديدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم وتمسها، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وتلزق بها، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صافحه وعانقه، ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التذلل، وهذا التعطف، فيشددوا على من ليس من دينهم، ويعاشروا إخوانهم المؤمنين في الإسلام، متعطفين بالبر والصلة وكف الأذى والاحتمال منهم، قرأ الجمهور برفع أشداء ورحماء على أنه خبر للموصول، وقرىء بنصبهما على الحال، أو على المدح، ويكون الخبر على هذه القراءة قوله:(تراهم ركعاً سجداً) أي تشاهدهم وتبصرهم حال كونهم راكعين ساجدين، أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها.
(يبتغون فضلاً من الله ورضواناً) أي: يطلبون ثواب الله لهم، ورضاه عنهم، وفيه لطيفة أن المخلص بعمله لله يطلب أجره من الله، والمرائي بعمله لا ينبغي له أجر، وذكر بعضهم في الآية والذين معه أبا بكر الصديق أشداء على الكفار عمر بن الخطاب، رحماء بينهم عثمان بن عفان، تراهم ركعاً سجداً علي بن أبي طالب، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً بقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
(سيماهم في وجوههم من أثر السجود) السيما: العلامة، وفيها لغتان المد والقصر، أي: يظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة لكثرة التعبد بالليل والنهار، وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفراً فجعل هذا هو السيما، وقال الزهري: مواضع السجود أشد وجوههم بياضاً، وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع وبالأول -أعنى كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود- قال سعيد بن جبير ومالك، وقال ابن جريج: هو الوقار وقال الحسن: إذا رأيتهم رأيتهم مرضى وما هم بمرضى، وقيل: هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه، وبه قال سفيان الثوري، قال ابن عباس: أما إنه ليس الذي ترونه، ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وعنه قال: هو السمت الحسن.