البذر في الطريق فجاءت الطيور ولقطته وسقط بعضه على الصخر حيث لم يكن التراب كثيراً، وفي ساعته نبت لأنه لم يكن له في الأرض عمق، ولما طلعت الشمس احترق ويبس لأنه لم يكن له أصل وسقط بعضه في الشوك فنما الشوك وخنقه وسقط بعضه في الأرض الطيبة وأثمر بعضه مائة ضعف وبعضه ستين وبعضه ثلاثين، فمن كانت له أذن سامعة فليستمع انتهى.
وهذا هو معنى الآية الكريمة بعينه وهذا في بعض أمثالهم في الإنجيل وقد غفل عنه النصارى وأولوه بتأويل ضعيف وقالوا: إن هذا المثل فيمن يعمل الخير ويسمع الواعظ وجعلوه من التهذيب، ولم يفكروا في قوله: فمن كانت له أذن سامعة فليستمع فإن فيه من الكناية ما لا يوجد في غيره، وذلك أن الذين أصفهم لكم في مثل هذا ليسوا بحاضرين حتى تستطيعوا أن تروهم. لكنكم اسمعوا كلامي هذا إن كانت لكم أذن واعية، وحدثوا به وأودعوه صفحات الكتب حتى يبلغ الكلام أجله.
وقوله سقط بعضه على الطريق الخ إشارة إلى النواميس التي وقعت في أيدي الفلاسفة اليونانيين الذين قلوبهم لا قابلية لها، أن تكون ظرفاً لمفهوم النواميس، لأن النواميس لم تصدر عن المبدىء جل اسمه إلا على سبيل السذاجة، فلا تؤثر في قلوبهم، لأنها لا تستقيم فيها، فيأتي الشيطان ويخطفها من قلوبهم بشبهاته السفسطية، وقوله سقط بعضه على الصخرة الخ إشارة إلى النواميس التي وقعت في أيدي اليهود، لأن قلوبهم كانت أقسى من الصخرة في قبولها، فلم تكن قابلة لأخذها، بل كانوا يتفوهون بها إلى مدة يسيرة، وهي تحولها من أيديهم إلى أيدي النصارى، وذلك هو طلوع الشمس فلما لم يذعنوا لما آتاهم به عيسى زال ما كان قد ألقى إليهم من ذلك من قلوبهم، واضمحل، كما يزول النبت المزروع على الصخرة بحرارة الشمس.
وقوله وبعضه وقع في الشوك الخ إشارة إلى النواميس التي وقعت في أيدي النصارى، والشوك عبارة عن مشتبهات الأمور التي كانت تصدر عن