وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما. عن أنس قال:" لما نزلت هذه الآية إلى قوله: (وأنتم لا تشعرون) وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار وجلس في بيته حزيناً ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا: فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ فقال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي، وأجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فقال: لا بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة قتل "، وفي الباب أحاديث بمعناه وعن ابن مسعود قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس (١).
(ولا تجهروا له بالقول) إذا كلمتموه (كجهر بعضكم لبعض) أي كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضاً، قال الزجاج: أمرهم الله سبحانه بتجليل نبيه صلى الله عليه وسلم. وأن يغضوا أصواتهم ويخاطبوه بالسكينة والوقار. وقيل: المراد بقوله: ولا تجهروا له بالقول لا تقولوا: يا محمد، يا أحمد، ولكن يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيراً له، وليس المراد برفع الصوت وبالجهر بالقول هو ما يقع على طريقة الإستخفاف، فإن ذلك كفر، وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره، والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور:
الأول: عن التقديم بين يديه، بما لم يأذن به من الكلام.
والثاني: عن رفع الصوت البالغ إلى حد يكون فوق صوته سواء كان في خطابه أو خطاب غيره.
والثالث: ترك الجفا في مخاطبته، ولزوم الأدب في محاورته، لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء، الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب إحترامه وتوقيره.